يعد الشباب ثروة الأمم والعمود الفقري للمجتمعات وباني مجدها ومستقبلها وضامن عزها واستمرارها، فعز أية أمة رهين بعز شبابها، وتخلفها بتخلفه، وهذا راجع إلى مكانة الشباب في محيطه وما يميزه من صفات عن باقي الفئات.
وهذا ما يجعلنا نستنبط حال الأمة الإسلامية بالنظر إلى واقع شبابها وما يشغل تفكيرهم وأين تبدد طاقاتهم وقيمة المواضيع التي فيها يتجادلون.
1- خصائص الشباب:
يمكن إجمال خصائص الشباب في معنى الفتوة بما هي خدمة واعتناق الحق ونبذ الباطل، وبما تعنيه من قوة ورجولة وترفع عن الدنيا. قال تعالى:" إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى" . قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:" ذكر تعالى أنهم فتية وهم الشباب وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل.
2- هموم الشباب:
قبل دعوة الشباب إلى رفع التحدي والعمل الجاد المسؤول وتبني هموم الأمة والتغيير، لابد من الوقوف على همومه هو وهي متعددة ومتشعبة نذكر منها:
- التحرر من الجهل والأمية والخرافة والتبعية.
- تكوين يؤهل ويطور المهارة.
- تشغيل يحفظ الكرامة.
- زواج يهدئ النفس ويضمن الاستقرار وينعش السكينة فيزداد الإيمان المعجل باقتحام عالم الرجال.
-
3- مشاكل الشباب:
أوحت التجربة للدكتور مصطفى السباعي أن مشكلة الشباب اليوم أولا تحديد الهدف، وثانيا ملء الفراغ . فغياب أهداف واضحة دقيقة يوقع الشباب في العبثية فيصاب بضغط نفسي وعصبي ويسقطه ذلك في مهاوي التردد والقلق ثم السلبية المفضية إلى الذهنية الرعوية التي تنتظر أن يفعل بها ولا تفعل، ولا يليق هذا بالشباب الذي جبل على إثبات ذاته، لأن الفعل أثبت للوجود من الذات، وحتى من حدثته نفسه بالخروج من العبثية فإنه يصطدم بسؤال كبير عريض مرده إلى كيفية تحديد الهدف، وأفتح هنا نافذة لأنقل خمس توجيهات قيمة لمحمد أحمد عبد الجواد، تساعد على ذلك. يقول: لكي تحدد هدفك اكتب:
1- أهم ثلاثة أو أربعة أشياء في حياتك: الأولويات.
2- أهدافك البعيدة المدى التي تكافح لتحقيقها.
3- أكثر العلاقات والاتصالات أهمية في حياتك.
4- ماذا تريد أن تقدم لأسرتك الصغيرة ولمجتمعك وللعالم أجمع.
5- الرسالة (الهدف) لا تبتكر ولكننا نحس بوجودها ونكرس حياتنا من أجلها.
أما المشكل الثاني وهو الفراغ وما أدراك ما الفراغ؟! هذه النعمة المغبون فيها كثير من الناس – إلى جانب الصحة – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".
فالطبيعة تمقت الفراغ والنفس لا تقبله و"إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل" . وهذا ما ينبه إليه الداعية محمد الغزالي بقوله:" من حق المربين أن يحذروا آفات الفراغ وأن يحصنوا النفوس من شرورها" .
ويوضح محمد قطب كيف عالج الإسلام هذا المشكل فيقول:" والإسلام حريص على شغل الإنسان شغلا كاملا منذ يقظته إلى منامه، بحيث لا يجد الفراغ الذي يشكو منه. ويحتاج في ملئه إلى تبديد الطاقة أو الانحراف بها عن منهجها الأصيل".
ويضيف :" وليست المشغلة كلها إجهادا واستنفاذا للطاقة، فإن ..منها ذكر الله في القلب، ومنها غفوة الظهيرة في الهاجرة، ومنها السمر البريء مع الأهل والأصحاب، ومنها التزاور ومنها الدعابة اللطيفة النظيفة" . لاحظ رحمة الإسلام وعدله (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وهل يأتي من الإسلام نقيض العدل والرحمة.
4- الشباب المسلم والإسلام:
يقف الشباب المسلم من الإسلام ثلاثة مواقف:
أ- موقف التفريط، يمثله شباب استهوته الحضارة الغربية وزينتها وشعار الحداثة الثائرة على كل قديم المستخفة بالدين – على الأقل – فلم يكن منهم إلا أن تبرؤوا من تهمة التدين كشرط للانخراط في واقع حلم التقدم والحداثة والتنمية.
ب- موقف الإفراط، ويلاحظ على شباب ضاقت حويصلته عن استيعاب الواقع وفهمه و"الانغماس" في وحله لتغييره فاكتفى بتكفير السافرة وتفسيق حالق اللحية وتبديع من دعا بالحكمة، جاهلا أو متجاهلا أصل الداء وبؤرة سيطرة الأهواء، وقد قيل:
لا خير في الإفراط والتفريط وكلاهما عندي من التغليط
ج- موقف الحكمة: انبرى له شباب فطن، تعلم أن البدعة تموت بإحياء السنة وأن الباطل يزهق فور مجيء الحق (قل جاء الحق وزهق الباطل) فسلك سبيل التربية بالقدوة والدعوة بالحكمة مقتديا بمن بعث للعالمين رحمة صلى الله عليه وسلم.
وسنة الله فيمن دعا إلى إصلاح أن تكال له التهم بالجملة والتقسيط ( مبتدع- مضلل-متطرف…). وينفر منه العدو وحتى الصديق، ويتكالب عليه الجميع بالإقصاء والتضييق، ولهذا ينبغي أن نعلم أن تكالب الناس على الحق ليس دليلا على بطلانه.
5- تحديات المستقبل:
بعد أن عرجنا على واقع الشباب المسلم من خلال همومه ومشاكله وتدينه، يليق بنا أن نستعرض التحديات المستقبلية التي تواجه سعادته وكرامة أمته:
* التحدي الفردي: بدايته التوبة إلى الله عز وجل، ولا ينبغي أن تقتصر على كلمات تلاك وتدين مغشوش، وإنما توبة تقلب كل الموازين العقلية والقلبية والسلوكية (التوبة قلب دولة) .
ومن المطلوب أيضا العمل على فهم الإسلام فهما أصيلا صحيحا شاملا لأن (مصيبة الدين في كل عصوره بفئتين: فئة أساءت فهمه، وفئة أتقنت استغلاله، تلك ضللت به المؤمنين، وهذه أعطت الجاحدين حجة عليه) .
أضيف تحديا لا يقل أهمية وهو استغلال الوقت ، وتنظيم الذات ، ويكفي التنبيه إلى أن دقيقة تضيع من وقتك تعدل مليار دقيقة في حق أمتك! فافهم وإذا فهمت فالزم.
* التحدي الجماعي: ويتجلى في السعي لإقامة عمران أخوي ولا يتأتى هذا إلا بكسب العلوم وترويض التكنولوجيا مع توطينها وتبنيها، وكذلك تنمية البلاد وتحريرها.
* التحدي المستقبل الثقيل: أجمله في حمل الرسالة لعالم متعطش.
فإذا كان التحدي الأول تأهيلا للإنسان لحمل الرسالة، إذ الرسالة بالرسول، وكان التحدي الجماعي بناء نموذج يضرب به المثال، فإن التحدي الثقيل ما هو إلا دعوة للعالمين ليشهدوا حياتنا في جو الإيمان وتحت ظلال القرآن. نعم فالعقبة كؤود ولكن النصر من الله موعود (إن تنصروا الله ينصركم).